الاستعارة الرابعة-العجوز وكومة الصناديق
في بلدة هادئة تحيط بها التلال المتدرّجة، عاشت عجوزٌ كانت معروفة بين أهل البلدة بعاداتها الغريبة. كانت تحمل معها مجموعة كبيرة من الحقائب، وتخرج في الصّباح الباكر لتتجول في أحضان الطبيعة وبين شوارع البلدة المزدحمة، لتبحث عن "الذكريات" -كما كانت تسمّيها- في الروائع الصغيرة التي يتجاهلها الآخرون. كانت تجمع التفاصيل الصغيرة الّتي تضم شيئًا من الجمال وتضعها في حقائبها. فمثلًا، ورقة الشّجر الصغيرة الواقعة على الأرض، بعروقها المعقّدة كخريطة روحها، تجد طريقها إلى إحدى حقائبها. الحصى الناعمة التي تهمس بذكريات الأنهار القديمة، تنضم بطريقةٍ ما إلى مجموعتها. ريشٌ، أصدافٌ، وحتى قطع من ورقٍ مهترئ — كل عنصر يحمل قصة، كل شيء له تاريخ، وأي ذكرى في انتظار الكشف عنها ستجدها في هذه الحقائب، الّتي أصبحت امتدادًا لذاتِها، ولوحة تُجسد فن العيش والغرق في التفاصيل. كل مساء، كانت تعود إلى كوخها المتواضع وحقائبها مملوءة باكتشافات اليوم. تفرّغ محتوياتها على طاولتها الخشبية بهدوء، إذ أن كل قطعة توضع بحذرٍ وبدقّة متناهية، ثمّ ترتبها في صناديق مصنَّفة وفقًا للعواطف التي تثيرها، والفصول التي تمثّلها، والأحلا...