Posts

Showing posts from July, 2024

الاستعارة الرابعة-العجوز وكومة الصناديق

في بلدة هادئة تحيط بها التلال المتدرّجة، عاشت عجوزٌ كانت معروفة بين أهل البلدة بعاداتها الغريبة. كانت تحمل معها مجموعة كبيرة من الحقائب، وتخرج في الصّباح الباكر لتتجول في أحضان الطبيعة وبين شوارع البلدة المزدحمة، لتبحث عن "الذكريات" -كما كانت تسمّيها- في الروائع الصغيرة التي يتجاهلها الآخرون. كانت تجمع التفاصيل الصغيرة الّتي تضم شيئًا من الجمال وتضعها في حقائبها. فمثلًا، ورقة الشّجر الصغيرة الواقعة على الأرض، بعروقها المعقّدة كخريطة روحها، تجد طريقها إلى إحدى حقائبها. الحصى الناعمة التي تهمس بذكريات الأنهار القديمة، تنضم بطريقةٍ ما إلى مجموعتها. ريشٌ، أصدافٌ، وحتى قطع من ورقٍ مهترئ — كل عنصر يحمل قصة، كل شيء له تاريخ، وأي ذكرى في انتظار الكشف عنها ستجدها في هذه الحقائب، الّتي أصبحت امتدادًا لذاتِها، ولوحة تُجسد فن العيش والغرق في التفاصيل. كل مساء، كانت تعود إلى كوخها المتواضع وحقائبها مملوءة باكتشافات اليوم. تفرّغ محتوياتها على طاولتها الخشبية بهدوء، إذ أن كل قطعة توضع بحذرٍ وبدقّة متناهية، ثمّ ترتبها في صناديق مصنَّفة وفقًا للعواطف التي تثيرها، والفصول التي تمثّلها، والأحلا...

الاستعارة الثالثة- الحزن الّذي لا يرحل

في عالمٍ بعيد عن حدود الإدراك البشري، كان هناك كائن صغير يُعرف بالحزن. كان الحزن كائنًا فريدًا، يشبه طيفًا متغيرًا، مرتديًا عباءة من الألوان الرمادية والزرقاء المتدرجة. تلك العباءة بدت وكأنها نُسجت من جوهر الغسق والضباب والألم.  كانت عيون الحزن أكثر ملامحه تميزًا—عميقة، بلونها الأزرق الداكن ولمعتها الفضّية، تعكس أعباءً لا تُحصى من التّعب، تتلألأ بعمق يشدّ الضوء نحوها. كانت تلك العيون دائمًا رطبة، وكأنها على وشك ذرف دمعة لا تسقط أبدًا. كان جلده شاحبًا، شبه شفّافٍ، وكأنه مصبوغٌ بضوء القمر. وعندما تلامسه همسات الرّيح البارد، كان يبدو كأنه يتوهج بخفوت، مشعًا بنورٍ كدِر. شعره كان يتدفق مثل نهرٍ مظلم، يتساقط على ظهره كموجاتِ بحرٍ من السّواد. كانت حركات الحزنِ بطيئة وحذرة، كل خطوة مغموسة بأسىً أنيق. كان يتحرك كما لو كان مثقلًا بعبء وجوده، ينزلق بصمت عبر المشهد الضبابي. وعندما يمشي، كان يترك خلفه أثرًا خافتًا من السّديم، كصدىً باقٍ لوجوده الّذي يتلاشى ببطء في الهواءِ المرِّ.  عندما يتحدث، كان صوته ناعمًا ورنانًا، مثل دق الجرس البعيد. الّذي يحمل في طياته صدى التّرح، وأغنيات اللوعةِ وال...