أنتَ والجمال فيكَ

 هنالك أيّام، تضيقُ أسباب الفكر فيها، وتنحصر العاطفةُ منها، أيّام قويّة كريحٍ صرصرٍ عاتيةٍ متناوحةٍ، تاتي مِن كلّ صوب، لو جَهدِ المرئ جُهده، وطوّق الرّجل نفسه بأشدّ عباراتِ الصّبر والسّلوان والأمل، ما أمسك من مجراها ولا أرسل، ولا نجى منها ومن خرابها ولا استبشر. 


فجأةً، تنطفئ قدحة نورك، تتعقّد كل البسائط، وتتقصّى كل القرائب، لا شيء يدنو منك، لا أرضٌ تحملك، ولا نارٌ تدفِئُك، بل يستعرّ اللهب بقلبك المقفَر، ويمشي الزمان عليك كحزّ السيف، تنطوي في قلبك الحياة، ويخنقك ضيق الهواء، يلتبس عليك فكرُ عقلك وحلمُ نومكِ، فلا يعود الليل لك لباسًا، ولا يبقى في عينيك صفاء. 


وما يكون منك سوا أن تترقّب، أنت مشروخٌ من الكتف إلى الكتف، لكنّك تنتظر أن تنحلّ عقدةُ الحياة، أن تهدأ رعدة قلبك، فيظهر لك موضع الرّحمة فيك، وتعي حجم العاطفة في روحك، وتدرك كمّ الحُسن الّذي تلاحظه عيناك، ومقدار السحر الّذي تستوعبه دنياك، وضخامةُ الحسّ الإنساني في خلدك، حتّى تكاد برقّتك تفوق الإنسانيّة، وتتجاوز البشر في القدرةِ على صبّ الشّعور.


تنظرُ إلى الكون، فترى أنّه فيضٌ من جلالٍ وجمال، وكلٌّ فيه يغترف بمقدار كأسِه. —وأنت كأسك كبير، حملتَ فيه كلّ معاني الطّفولةِ والحُب والوضاءة، وسكبت فيه من القوّة ما يجبرُ كلّ مكلوم، ومن الأمل ما يُظهر ملامح الحياة على الموت، ومن السكينة ما يطمئن كل مضطرب.


أمَا آن لك الآن، من الكون، أن تغترف؟

Comments

Popular posts from this blog

أبوابٌ لها أبواب

تعال

الروائي في رأسي