تعال
الشّوق، أكثرُ المشاعر الإنسانيّة غموضًا وتعقيدًا، هو حالة وجودية تلتهم الروح برفق، صورة من صور العذاب النّاعم، هو الانجذاب نحو شيء بعيد، يرفض الزّمن أن يمنحنا إيّاه مرّةً أخرى. إنه التّوق إلى ما هو غائب، شعورُ لا يُحدد بمسافة أو وقت، هو الشّعور بالنّقص، بجزء من الذات ضاع في طيات الحياة ومعاركها، هو التعبير عن أن تلك اللحظات التي تركتنا لا تزال تملك قوة علينا، تُعيد تشكيلنا، تجعلنا نفكر في ما كنا وما صرنا عليه.
إنه الشوق إلى ما لم نعد نملك. قد نشتاق إلى لقاءٍ لم يحدث، إلى كلماتٍ لم تُقال، إلى احتمالات ضائعة بين اللحّظات، فنصبح أسرى لأطيافٍ من الماضي، نتأملها في الصّمت وكأننا نحاول إعادة رسم خريطة طريق نحو أفق لم يعد موجودًا أصلًا.
ربما يكمن جمال الشوق في استحالة تحقيقه. إنه الرغبة الدائمة في الوصول إلى ما لا يمكن الإمساك به، وكأننا نعيش في حالة دائمة من العطش لشيء لا يمكن إرواؤه.
أمّا اللوعة فهي الوجه الآخر للشوق؛ هو إدراك بأن الفجوة التي تركتها تلك الأشياء في قلبك قد لا تُملأ أبدًا. هو صراع داخلي بين الرغبة في التّمسك بالذكريات والرغبة في الهروب منها لتجنّب الألم. هذا الألم له طابع خاص، فهو لا يهدأ بمرور الوقت، بل يزداد تعقيدًا كلما طال الانتظار.
كل ذكرى، كل صورة، كل صوت يمكن أن يعيدك إلى تلك اللحظات التي تشتاق إليها، لكنها تأتي محملة بوجع الفقدان. ما كان يومًا مصدرًا للفرح يصبح الآن عبئًا على القلب، يذكرك بما كان كان بين يديك يومًا، ولن يكون.
اشتقتُ إليه، وتشوقتُ، واشتقته، وتشوقته، وصبوتُ، وتقتُ، وطربتُ، وحننتُ، وغرضتُ، ونزعتُ إليه، وإني لأجادُ إليه، وقد ظمئتُ إلى لقائه، ونازعتني نفسي إليه، وتخالجني إليه شوق، واهتاجني الشّوق إليه، وهزّني، وحفّزني، واستفزّني، واستخفّني.
وقد رآني من ناحيته لامع البرق، واستوقد شوقي إليه وافد النسيم،
واستخفتني إليه. نزيه من الشّوق وهيمًا فاجأ منه، وبي إليه طرب، وصور، وبي إليه طربٌ نازع. وإنّي لنزوعُ إلى الوطن، توّاقٌ إلى الأحبّة، توّاقٌ إلى ما لم ينل.
وفي قلبي لوعة الشوق، وحرقته، وجواه، وغلّته، وغليله، وأواره، ولاعجه، ولواعجه، وتباريحه، وحزازاته.
وأنا شوقي لا يهدأ، ولوعتي لا تزول، وخلف هذا الجسد الواحد ثمّة أشلاءُ روح، ما عادت تتماسك، ما عادت تستطيعُ، إلّا بتدخّلٍ خارجيٍّ..
-أأدركتَ ما أرمي إليه؟
الله الله! تبارك الرحمن آية ابدعتي
ReplyDelete