غِطاء القهوة البلاستيكي

جرت العادة أن أذهب لأصطحب صديقتي حين نخرج معًا، وفي كلّ مرّةٍ نشتري القهوة سريعًا من بائِعٍ على الطريق، يضع لنا غطاءً بلاستيكيًا على الكوب. وكنت أنا أزيله دائمًا وألقيه في القمامة فورًا، مما كان يثير غرابة صديقتي. كانت تقول لي: "حذارِ، ستنسكب القهوة عليك يومًا ما بلا شك، وستحرقكِ!" لكنني لم أكن أكترث، واستمررت في فعل ذلك، كنت أقول لها: "لغطاء القهوة عندي معنىً فلسفي عميق لو أنّكِ تدركين." مرّة شرحتُ لها كم أكرهُ المجهول، لا أطيق فكرة النظر إلى الكوب دون أن أرى مقدار السائل فيه، خصوصًا إذا كان ساخنًا. قُلت: أنا أحبُّ اليقين، ولا أحب أن أتعامل مع الأمور كما يتعامل شرودينغر مع قطّته. شرحتُ لها أنني أُعامل حياتي كلها بنفس النّهج الّذي أُعامل فيه غطاء قهوتي. المستقبل مثلًا يرعبني، إذ يربكني كل شيء مُبهم وغامض، لذلك فإنّ كل غطاء أزيله هو رمز لإصراري على رؤية الأشياء كما هي، دون حواجز أو عوائق، دون أن يخفى عنّي شيء. فكرة المجهول تشبه الكوب المغطّى، تخفي عنا ما قد يكون، تجعلنا نتساءل، نخشى، ونتردد. لكن إزالة الغطاء هي إقدامٌ لمواجهة الحقائق، رغبة في الشفافية والوضوح، حتى لو...